سكون الليل حلّ, وستائر
الظلام بدأت تنسدل على يومٍ جديد سُجلَ في دفتر الحياة بسطورٍ عبرتْ عن ازدحام المدينة
المعروف .
في تلك الفيلا التي
تبدو للمارين وكأنه قصر فخم لشخصيةٍ مرموقةٍ في المجتمع . فخلف جدرانها أسرتي , سأعرفك
عليها .
والدي أحمد المنير
صاحب أكبر شركةٍ للمنسوجات القطنية ، والدتي السيدة سميرة دكتورة في كلية الاداب قسم
التاريخ ، أنا رحمة في العام الثاني في كلية التربية قسم الكيمياء ، اختي نور في الصف
الثالث الثانوي القسم العلمي , تلك هي أسرتي الصغيرة .
نهضتُ من على مكتبي
, وتوجهتُ إلى نافذتي غرفتي أملأ رأتيّ بالهواء المنعش , فلقد مللتُ من مذاكرتي للكيمياء
العضوية فغداً اختبارها .
مرت ساعاتُ الليل
تزحفُ ببطئ شديد , كان الجو هادئاً جداً بغض النظر عن صوت حفيف الشجر . لم أستطع
النوم جيداً في تلك الليلة .
أرسلت العصافير
تغاريدها مع شروق الشمس , نهضتُ من السرير وأنا متعبة من قلة النوم . توجهتُ إلى
حمام غرفتي وأنا مازلتُ أشعرُ بالنعاس الذي سيطر علي فقررتُ أن ألقي بجسدي تحت
قطرات المياه حتى أستعيد نشاطي .
بعد أن بدلتُ
ملابسي رأيتُ عقارب الساعة تشير إلى السادسة و النصف فقررتُ أن أنزل بعد الساعة
فالإمتحان سيبدأُ في التاسعة .
أخذتُ كتبي و
أوراقي ونزلتُ إلى الأسفل الذي كان هادئاً جداً , فاليوم هو السبت الجميع في
إجازةٍ .
وضعتُ كتبي و
أغراضي على ذلك المقعد المفضل لي و توجهتُ إلى الداخل لأعد فطوراً بسيطاً لي أرفع
به معنوياتي قبل الإمتحان .
ما إن اقتربتُ من
البوابة الداخلية حتى سمعتُ شخصاً يناديني ...
بدأتْ الشكوك
تلعب بعقلي ؟ أيعقل أن يكون هو ؟ مرت كل تلك السنوات لنتقابل اليوم من جديد .
نظرتُ إلى الخلف
لتصبح الشكوك حقيقة , نعم هو مازن عرفته من صوته على الرغم من شكله الذي احتفظ
بلمحاتٍ بسيطة جدا من ملامح المراهقة قبل أن يسافر إلى ألمانيا .
لم أشعر بشيء من
حولي , ركضتُ نحوه فمازن أخي نعم أخي في الرضاعة فلقد رأيت آخر مرةٍ قبل سفره
للابتعاث في الخارج لدراسة الصيدلة وتركيب الأدوية , حلم طفولته . قدوتي هو من
حببني في القسم العلمي تحديداً حبي للكمياء .
كانت بالنسبة لي
أجمل مفاجأةٍ من فترة . وما زاد سعادتي عندما علمتُ بأنه قد انهى دراسته و نوى أن
يستقر هنا بعد أن أصبح دكتوراً في الجامعة .
دخلتُ معه إلى
الداخل , صعد إلى غرفته ليرتاح حتى أعد الفطور ونفطر سوياً .
صعدتُ إلى غرفته
وتناولتُ معه الفطور والبسمة لا تفارقُ شفتي , بعد أن انتهينا أخبرته أن يجب علي
الذهاب إلى الجامعة في الحال وسأجلس معه بعد عودتي .
لا أدري كيف
خرجتُ من البيت , ولا أدري كيف وصلتُ إلى جامعتي , كل ما كنتُ أفكر به هو مازن
تحديداً ذكريات الطفولة التي عُرضت من دون استدعاءٍ أمامي .
الساعة 8:50 عشر
دقائق تفصلني عن بدء الإمتحان أجبرتُ عقلي على توقيف تلك الذكريات لكي أراجع على
المقرر بسرعة , حتى دخلنا الامتحان .
بدأ الامتحان ,,,
ساد الصمت أرجاء القاعة , لا أنكر تلك الإبتسامة التي لم تختفي من على شفتي , التي
تبدو لمن يراها أنها بسبب الامتحان لكنها كانت بسبب أخي .
سلمتُ ورقتي قبل
انتهاء الوقت بخمس دقائق , قررتُ و أنا انتظر صديقاتي أن أراجع على التجارب قبل
الدخول إلى المعمل .
بعد أن انتهى
الامتحان ,,,, توجهتُ مع زهراء إلى الكفتيريا ننتظر دور معملنا بعد أن توجهت اسراء
و أماني للمعمل .
بعد أن جلسنا
وطلبت كل منا عصيرها المفضل سألتني زهراء عن سر تلك الابتسامة المرسومة على وجهي
منذ الصباح .
أخبرتها عن مازن
وعن استقراره هنا , فرحت زهراء لفرحتي كثيراً فأنا وزهراء من يرانا يظننا توأماً
وليس أصدقاء .
رأينا إسراء
متوجهة نحونا , سألنها عن أماني فقالت أنها مازالت في المعمل وأخبرتنا بأن
الامتحان سهل ولا داعي للخوف .
راجعنا بسرعةٍ
على التجارب , وقررنا التوجه إلى المعمل بعدما رأينا أماني التي أكدت لنا كلام
إسراء .
بعد أن انهينا
الامتحان , توجهت كلٌ منا إلى منزلها وكانت هيا المرة الأولى التي أشعر بأن الطريق
طويل هكذا .
دخلتُ إلى الفيلا
, وأنا أشعر بالسعادة بسبب مازن لحسن الحظ أن العشاء كان قد وُضِع على المائدة ,
وكان الجميع جالسين أسرعتُ بغسل يدي وجلستُ بجانب مازن , كعادة أي وجبةٍ يكون مازن
جالساً فيها لا تخلو من الضحكات الصادرة من أعماق قلوبنا .
بما أننا في
نهاية الأسبوع فقررنا السهر جميعاً ,توجهنا لنلعب على البليستيشن فجلستُ أنا و
حازم على الأرض وجلس الباقي على الكراسي يشجعون بحماسٍ شديد .
مرّ الوقتُ ولم
نشعر به .......
تغاريد العصافير
بدأت بالانتشار لتزيل ظلام الليل , بدأتُ أتململ في فراشي بعدما انتشرت أشعة الشمس
في أرجاء الغرفة لتستكين على سريري .
فتحتُ عينيا
فرأيتُ الصورة مشوشة , أغلقتها ثم أعدت فتحها لأنظر إلى الساعة أمامي فوجدتها تشير
إلى التاسعة . نهضتُ من فراشي و توجتُ
ناحية دولابي فأخذتُ ملابسي واتجهت إلى الحمام لأدخل تحت المياه الباردة .
إنه أول يومٍ لي
في عطلتي بعد شهرٍ من الكفاح مع الأوراق والكتب .
خرجتُ من غرفتي ,
لأجد أمامي نور فأخبرتني أن الجميع توجهوا للحديقة لتناول الإفطار فتوجهتُ إلى
هناك على الفور .
بالطبع سنواتٌ
افتقدنا جميعاً جو المزاح والضحك ونحن نتناول الإفطار , بالطبع قررنا الخروج في
جولة بما أنّ السفر إلى احد المدن التي تشتهر
بقضاء المصيف فيها احتفالاً بعودة مازن .
في تمام الخامسة
....
كان الجميع في
السيارة , قررنا الذهاب الى شاطئ الاسبوع وقضاء عدة أيام هناك . مرت الأيام جميلة
وسريعة ممزوجة بضحك ولعب والعودة مجدداً للطفولة التي انتهت .
مررت الأيام
بروتينيها المعتاد إلى أن أتى ذلك اليوم الذي أتممتُ فيه شهراً منذ أن بدأت عطلتي
, كنت أجلس في غرفتي أمام حاسوبي محاولةً التحكم في أعصابي نسيتُ أن أقول أن اليوم
هو موعد ظهور النتيجة , فتحتُ موقع الكلية بتوترٍ شديد وأيام الإختبارات تمر
بذاكرتي .
نزلتُ بالصفحة
سريعاً لأرى النتيجة النهائية , ثم أصعد فأعرف التفاصيل لم أصدق عندما رأيت
التقدير فلقد حصلتُ على جيد جدا تأكدتُ
من الاسم عله تشابه أسماء فوجدته اسمي , قفزتُ من على سريري وسجدتُ شكراً لله .
خرجتُ من غرفتي ,
وتوجهت إلى الصالة فلقد كانوا مجتمعين أمام التلفاز , أخبرتهم بالنتيجة وفرح
الجميع بذلك الخبر . انتهى يومي بعد أن اكتملت سعادتي باتصالي صديقة الطفولة ريم
التي أخبرتني أنها استقرت هنا بعد سفرها مع أسرتها بعد أن أتممنا الثانوية ,
واتفقنا على أن نلتقي في الغد .
صباحٌ جديد .........
انتشرت أشعة الشمس
في غرفتي , استيقظت بعد أن امتدت أشعة الشمس على سريري , نظرتُ في الساعة وأنا
افتح عين واحدة كانت الثامنة والنصف , أغلقتُ عينيا ثم فتحتهما بسرعة بعد أن
تذكرتُ موعد ريم الذي كان في التاسعة , نهضتُ من على سريري بسرعة أخذت ملابسي
وتوجهتُ إلى الحمام . حمدتُ ربي أننا اتفقنا أن نتقابل في ذلك المتنزه القريب من
منزلنا .
في تمام التاسعة
....
كنتُ أقف أمام
المنزل بعد أن سلمتُ على والدتي التي كانت تنتظر الجميع يستيقظ كي يتناولوا الفطور
سوياً و أخبرتها أنني سأفطر مع ريم واتجهت
إلى ذلك المنتزه , ولحسن حظي قابلتها كانت تنزلُ من السيارة , ركبتُ معها وتوجهنا
إلى مكان نفطر فيه سوياً .
والدتي .....
بعد أن ودعتني
رحمة وخرجت , اتجهتُ إلى لإيقاظ الجميع حتى نبدأ بتجهيز حفلةٍ بمناسبة نجاح رحمة .
كانت الساعة تشير
إلى العاشرة .....
كان الجميع
منشغلاً بالتجهيزات , مازن وزوجي يشرفان على تجهيزات الحديقة , وأنا و نور كنا
نحضر الطعام والحلوى .
أتى إليّ مازن
وأخبرني إن كنت أحتاج إلى أشياء لأنه سيذهب لشراء بعض المستلزمات الناقصة فأخبرته
على بعض ما ينقصني في المطبخ .
مازن .....
ركبتُ إلى سيارتي
بعض أن خرجتُ من المنزل , قررتُ التوجه إلى محلٍ متخصصٍ في أمور الزينة , ثم أذهب
لشراء ما أخبرتني به والدتي .
وفجأة ودون أن
أشعر بشيء وجدتُ نفسي أصطدم بتلك السيارة ثم غبتُ عن الوعي .
والدتي ......
انشغلتُ
بالتجهيزات إلى أن تفاجأت بأن الساعة الواحدة , تذكرتُ مازن الذي خرج منذ ساعتين
تقريباً ولم يعد إلى الآن , لابد أن الطريق مزدحم هكذا أقنعتُ نفسي .
مرت ساعةٌ أخرى
....
كانت منشغلةً
بالتجهيزات , رنّ الهاتف في تلك اللحظة كان رقم مازن فتحتُ الخط سريعاً لكن ازداد
قلقي عندما سمعتُ صوتاً غير مازن , انتابتني الشكوك وبدأ الخوف يتسللني فأجبتُ بصوتٍ
مرتجف : مازن .
لكن صدمتُ عندما
جاوب الطرف الآخر بأن مازن تم إدخاله غرفة العمليات ,أجابت سريعاً في أي مستشفى
قال لي اسم المستشفى و أغلقتُ الخط لم أستوعب ماحدث , بل شعرتُ بأن حركتي قد شلتُ
.
ركضتُ خارجاً
وجدتُ نور وزوجي انسابت دموعي ولم أستطع أن أتكلم لكني قلتُ بصوتٍ متقطع مازن في
العمليات في المستشفى وأخبرتهم باسم المستشفى .
ركبنا السيارة
سريعاً , لا أدري كم استغرقنا حتى وصلنا , دخلنا المستشفى ركضاً حتى وصلنا أمام
غرفة العمليات .
وقفنا أمامها ,
لا أشعرُ بأي شيء من حولي غير دموعي التي تنساب على خدودي ونور التي كانت تحاول
تهدئتي .
أحسستُ و كأن
الوقت يمر كسلحفاةٍ تسير , مازن في غرفة العمليات , ولم يخرج أحدٌ ليطمئنا .
تذكرتُ فجأة رحمة نظرتُ إلى نور الجالسة أمامي وقلتُ لها: رحمة ...... أين رحمة ؟
جاوبتني نور بصوتٍ مبحوح قالت لي مع ريم نسيتي , قلتُ لها اتصلي بها وأخبربيها بأن
تأتي إلى هنا .
مسحت دموعها نور
, وأخذت نفساً عميقاً وأخرجت هاتفها من جيبها واتصلت برحمة .
رحمة .....
بعد أن تناولتُ
الفطور مع ريم , عدنا إلى نفس المتنزه الذي قابلتها به صباحاً استرجعنا ذكرياتنا ,
أيام طفولتنا , أيام الدراسة والمدرسة , والكثير من الأيام التي لا تنسى .
كان الوقت قبيل
العصر ....
ودعتُ ريم بعد أن
اتصلت بها والدتها و أخبرتها سرعة المجيء , عدتُ إلى الفيلا ودخلت إلى الداخل كان
الهدوء مسيطراً على المكان . لا أنكر استغرابي من الزينة الموجودة في الحديقة ولا
ذلك الهدوء الذي لم أعتاده , لكني تذكرت ليلة الأمس عندما اتفق الجميع على الخروج
بعد الظهر , صعدتُ إلى غرفتي كي أرتاح قليلاً قبل مجيئهم . لكني تفاجأت بشاشة
هاتفي التي تضيء باسم نور , فتحتُ الخط . سألتني : أين أنتِ ؟ انتابني القلق
قليلاً من صوتها المبحوح فأجبتها : في المنزل وسألتها: مابك ؟ أخبرتني إن كان
باستطاعتي التوجه إلى المستشفى وأخبرتني باسمها ؟
تملكني القلق
وقلتُ لها ماذا هناك ؟ دخلت في نوبة بكاء لم أستطع أفهم منها غير بعض الكلمات
ىالمتقاطعة بأن مازن في العمليات أغلقتُ
الخط , لا أدري كيف وصلتُ لهم لم يكن بي عقلٌ كي أفكر .
كنتُ أقف أمام
غرفة العمليات , وجدتُ والدي الذي كان قد خرج من الصلاة للتو , ووالدتي التي ارتمت
بحضني عندما رأتني ولم تكف دموعها عن التوقف . ما كان يدور في عقلي إذاً حقيقة
مازن في العمليات .
جلستُ إلى جانبهم
ولساني لم يتوقف عن قول يارب .
خرج الطبيب ركضنا
نحوه , رأى في أعيننا السؤال لذلك قال نحتاج متبرعاً بالدم لإن فصيلة الدم التي
يحملها مازن نادرة . أجبتُ سريعاً أنا أحمل نفس فصيلة الدم . بعد أن تبرعتُ بالدم
... جلسنا منتظرين أمام الغرفة .
كانت الساعة
السادسة مساءً ... أخيراً خرج الطبيب أخبرنا بأنه انتهت العملية ولكن يجب وضعه في
غرفة العناية المركزة حتى تستقر الحالة .
بعد مضي ربع ساعة
تم نقله إلى هناك , جلسنا خارج غرفة العناية المركزة , كنتُ أنظر له من الزجاج
الخارجي إلى جسده القابع تحت الأجهزة ,و آثار الكدمات على وجهه و أجزاءٍ من جسده
غطاها الجبس , نزلت دمعةً من عيني بدون إرادتي , مسحتُها سريعاً وعقلي لا يتوقفُ
عن إرسال الذكريات التي كانت تجمعني مع مازن منذ الطفولة , صحيحٌ أن مازن أخي من
الرضاعة لكنه كان أخاً حقيقياً لي كم من مرةٍ رأني فيها نصحني , ودافع عني , ولم
يتركني لحظةً واحدةً . حتى في فترةِ سفره دائماً ماكان يتصل بي وينصحني . ذكرياتٌ
كثيرةٍ جمعتنا آخرها ذلك اليوم الذي ظهرت فيه نتيجتي .
جلستُ إلى جانبِ
أسرتي التي بدأت علامات التعب بالظهور عليها , اقترح والدي أن يذهب بعضنا ليرتاح
ونتناوب ليأخذ كل منا قسطاً من الراحة . ذهب هو و نور إلى المنزل و بقيتُ مع
والدتي .
كم أكره الانتظار
, الصمتُ خيم على المكان إلا من صوت الأجهزة التي تعمل في غرفة العناية . وقفتُ
عند الزجاج أنظر منه , و دموعي أبت التوقف عن الهطول كما أبى عقلي التوقف عن إرسال
الذكريات .
نظرتُ إلى والدتي
, خفتُ عليها فهي منذ ساعاتٍ صامتة أبت التحدث مع أي شخص . نظرها مثبتٌ على الغرفة
, وعلامات الإرهاق رُسمت على وجهها .
بدأتْ الشمس ترسل
أشعتها , نظرت إلى الساعة فلقد كانت الخامسة و النصف ... وضع مازن كما هو لا يوجد
أي تغيير .
مرت قرابة الساعتين ...
كنتُ أقف عند
الزجاج كعادتي , أحسستُ بيدٍ وُضعت على كتفي , كان أبي قد وصل للتو هو و نور
ويحملان أكياساً في أيديهم . أكلتُ مجبرةً بعد حلف أبي بألا يتذوق الطعام حتى
نتذوقه جميعاً .
استندتُ على الجدار , لم أصدق أذني عندما سمعت
نور تقول بفرحة تحركت يده , قفزتُ من مكاني لتأكد مماسمعتْ فوجدتهُ حقيقة , ارتحتُ
و ابتسمتْ وحمدتُ الله .
نادت الممرضة
الطبيب المسؤول , وعمل بعض الفحوصات التي تأكد منها أن الأمور طبيعية , همّ الطبيب
بالخروج لكن مازن استوقفه ثم خرج الطبيبب من الغرفة الذي أخبرنا عن وضع مازن ثم
أخبرني بأن مازن يريد رؤيتي . دخلتُ مع الطبيب بعد أن ارتديت لباساً خاص بالعناية
المركزة .
ابتسم مازن لي
بتعبٍ وضعف فرددتُ له الابتسامة , تكلم بصعوبةٍ وقال : رحمة أحبك لقد كنتُ ذاهباً
لأعد لك مفاجأة .
نزلت دموعي دون
إرادتي , أتت الممرضة لتخبرني بأنّ عليّ الخروج كي يتم نقله لغرفةٍ خاصة بمازن,
نهضتُ من مكاني ,و أدرتُ ظهري له سمعتُ صوت همسٍ بالشهادتين , صُعقت , لم أستطع
التحرك أو النظر . أحسستُ بانقطاع الأنفاس من الغرفة التفتُ ببطئ لأجد الطبيب يغمض
عيني مازن , لم يستطع عقلي استيعاب ماحدث . كل الذي تردد في عقلي وقتها أيعقل أنها
النهاية ؟؟؟ نعم هي النهاية بعدما قال لي الطبيب البقاء لله .
خرجتُ من الغرفة
, والديّ , نور كنت أنظرُ لهم بتوهان وضياع , لم أشعر بشيءٍ من حولي غير دموعي
التي أبت التوقف , ونظراتِ والدتي التي رفضت التصديق .
أحسستُ وكأني
فقدتُ النطق , خرج الطبيب وأخبرهم , ارتميت بحضن نور ودموعي مازالت تهطل كالمطر
ونور التي كانت تحاول أن تهدئني .
عُدنا إلى المنزل
, دون مازن , دون قدوتي , كنتُ أتجول في المنزل و كأن هذه المرة الأولى التي أدخله
فيها . ذكرياتي المرسومة مع مازن في كل ركن من أركانه . لم يتوقف لساني عن الدعاء
له هكذا أقنعتُ أو حاولتُ إقناع نفسي بأن هذا مايحتاجه الآن .
خرزةٌ وراء
الأخرى تسقط لتقلب صفحةً جديدةً في دفتر الحياة .
هاهو اليوم آخر
أيام العطلة ستبدأ الدراسة في الغد , انضمت نور لفئة مجتمع الجامعات فلقد التحقت
بكلية طب الأسنان .
أما أنا فأصبحتُ
في السنة الثالثة من الجامعة , أضيفت لنا التربية العملية , نزلتُ أنا ونور لنشتري
ماينقصنا من أغراض .
الساعة الخامسة
فجراً ....
استيقظتُ من نومي
, لا أدري لما توجهتُ ناحية النافذة وفتحتها , أحب النظر كثيراً من نافذتي على تلك
المساحات الخضراء المزروعة نباتاتٍ مختلفة .
في تمام السادسة
والنصف , كنتُ قد ارتديتُ ملابسي وجهزتُ حقيبتي , خرجتُ من غرفتي كان المنزل
هادئاً , نزلتُ إلى الأسفل وجدتُ نور و أمي يعدّان الإفطار , ثم جلسنا سوياً بانتظار نزول أبي .
مرّ شهرٌ على
وفاة مازن , أرى في أعين أمي اشتياقها لمازن , كذلك لا أُنكر اشتياقي له , لكن هذه
هي سنة الحياة , في هذا الشهر أهدينه أجر ختمة قرآن , تغيرنا كثيراً في هذا الشهر
فلم ندع تلك المحنة تؤثر علينا .
بعد مرور عامين
.......
استيقظتُ باكراً
على غير عادتي , وقفتُ في مكاني المفضل , عند نافذتي , أشعرُ بسعادةٍ كبيرة . فاليوم
يوم استلام وظيفتي , حمداً لك يارب فلقد أتممتُ دراستي الجامعية و تخرجتُ بتقدير
جيد جداً مرتفع , أجريتُ مقابلةً الأسبوع الماضي بإحدى المدارس القريبة من منزلنا
و آتاني ردهم بالأمس بالمواقفة , وسأستلم عملي كمدرسة .
أما نور فهي
تستعد لبدء العام الثالث لها في طب الأسنان , أنهت عامها الإثنين بامتياز .
أما والدي فتوسع
عمله و استطع افتتح محلٍ لملابس الجاهزة , وأصبح يقسم وقته بين الشركة والمحل .
والدتي تمضي
وقتها حتى الظهيرة في الجامعة , و بعد العصر تذهب لدار التحفيظ ودار الأيتام
اللذان أنشئناهما باسم مازن .
بعد مرور عام
.....
كنتُ أجلس في
غرفتي , فتحتُ بريدي الإلكتروني , صُدمت عندما رأيتُ رسالةً من جامعتي فتحتها
بسرعة , فرحتُ كثيراً عندما علمت بأنه تم تعييني كمعيدة – مدرسة مساعدة بقسم
الكيمياء – فرحت جداً وسجدتُ شكراً لله , نزلتُ إلى الأسفل لأفرحهم .
ذهبتُ لاستلام
عملي في اليوم التالي , وكانت كلمات الوكيل مشجعةً لي لأبدأ في الدراسات العليا ,
وانتهي منها سريعاً .
بالفعل تركت
المدرسة , واستلمتُ عملي وبدأتُ أذاكر بجدٍ واجتهاد , واستغل كل أوقات فراغي .
بعد مرور عامين
.....
كان اليوم هو يوم
تخرج نور من الجامعة , حضرنا معها لإسعادها .
مر أسبوع .....
اليوم مناقشة
رسالة الماجستير التي أعددتها , كنتُ في قمة سعادتي وخصوصاً عندما حضرت نور ووالدي
.
كنتُ أقلبُ في
التلفاز , رنّ علي رقمٌ غريب , فتحتُ الخط , كان هذا دار النشر الذي تكفل بطباعة و
نشر أول كتابٍ لي اسمه " خيوط السعادة " وكانت سعادتي لا توصف عندما
أخبروني بأن الكتاب مطلوبً بكثرةٍ في الأسواق , وازدادت سعادتي عندما علمتُ منهم
أن هناك ترغب بالتسجيل معي من أجل الكتاب فوافقت , وذهبت في موعدي .
والدتي ....
جلسنا أمام
التلفاز أنا ونور , وتفاجأتُ بزوجي عندما دخل إلينا ليشاهد رحمة في التلفاز .
كانت تتحدث بكل
ثقة , و أنا الأحياء كما يبحثون عن السعادة , فالأموات يبحثون عنها أيضاً و تتحقق
سعادتهم عندما يدعون لهم من يحبون ويقومن بأعمال خيرية بالنيابة عنهم فتلك هي خيوط
السعادة التي يحتاجونها .
نزلت دموعي فرحاً
برحمة وبنجاحها الذي حققته وفقداناً لمازن .
-
النهـــــــــايــــة -
0 تعليق على موضوع " خيوط السعادة ........... "
شروط التعليق :
■ يجب على التعليق أن يكون بلا روابط إشهارية
■ لاستعمال خط عريض ضع الكود : النص هنا...
■ لاستعمال خط مائل ضع الكود : النص هنا...
■ لإضافة صورة ضعها بهذا الكود : ... رابط الصورة هنا ...
الإبتسامات إخفاء