سكون الليل حلّ, وستائر الظلام بدأت تنسدل على يومٍ جديد سُجلَ في دفتر الحياة بسطورٍ عبرتْ عن ازدحام المدينة المعروف .
في تلك الفيلا التي تبدو للمارين وكأنه قصر فخم لشخصيةٍ مرموقةٍ في المجتمع . فخلف جدرانها أسرتي , سأعرفك عليها .
والدي أحمد المنير صاحب أكبر شركةٍ للمنسوجات القطنية ، والدتي السيدة سميرة دكتورة في كلية الاداب قسم التاريخ ، أنا رحمة في العام الثاني في كلية التربية قسم الكيمياء ، اختي نور في الصف الثالث الثانوي القسم العلمي , تلك هي أسرتي الصغيرة .
نهضتُ من على مكتبي , وتوجهتُ إلى نافذتي غرفتي أملأ رأتيّ بالهواء المنعش , فلقد مللتُ من مذاكرتي للكيمياء العضوية فغداً اختبارها .
مرت ساعاتُ الليل تزحفُ ببطئ شديد , كان الجو هادئاً جداً بغض النظر عن صوت حفيف الشجر . لم أستطع النوم جيداً في تلك الليلة .
أرسلت العصافير تغاريدها مع شروق الشمس , نهضتُ من السرير وأنا متعبة من قلة النوم . توجهتُ إلى حمام غرفتي وأنا مازلتُ أشعرُ بالنعاس الذي سيطر علي فقررتُ أن ألقي بجسدي تحت قطرات المياه حتى أستعيد نشاطي .
بعد أن بدلتُ ملابسي رأيتُ عقارب الساعة تشير إلى السادسة و النصف فقررتُ أن أنزل بعد الساعة فالإمتحان سيبدأُ في التاسعة .
أخذتُ كتبي و أوراقي ونزلتُ إلى الأسفل الذي كان هادئاً جداً , فاليوم هو السبت الجميع في إجازةٍ .
وضعتُ كتبي و أغراضي على ذلك المقعد المفضل لي و توجهتُ إلى الداخل لأعد فطوراً بسيطاً لي أرفع به معنوياتي قبل الإمتحان .
ما إن اقتربتُ من البوابة الداخلية حتى سمعتُ شخصاً يناديني ...
بدأتْ الشكوك تلعب بعقلي ؟ أيعقل أن يكون هو ؟ مرت كل تلك السنوات لنتقابل اليوم من جديد .
نظرتُ إلى الخلف لتصبح الشكوك حقيقة , نعم هو مازن عرفته من صوته على الرغم من شكله الذي احتفظ بلمحاتٍ بسيطة جدا من ملامح المراهقة قبل أن يسافر إلى ألمانيا .
لم أشعر بشيء من حولي , ركضتُ نحوه فمازن أخي نعم أخي في الرضاعة فلقد رأيت آخر مرةٍ قبل سفره للابتعاث في الخارج لدراسة الصيدلة وتركيب الأدوية , حلم طفولته . قدوتي هو من حببني في القسم العلمي تحديداً حبي للكمياء .
كانت بالنسبة لي أجمل مفاجأةٍ من فترة . وما زاد سعادتي عندما علمتُ بأنه قد انهى دراسته و نوى أن يستقر هنا بعد أن أصبح دكتوراً في الجامعة .
دخلتُ معه إلى الداخل , صعد إلى غرفته ليرتاح حتى أعد الفطور ونفطر سوياً .
صعدتُ إلى غرفته وتناولتُ معه الفطور والبسمة لا تفارقُ شفتي , بعد أن انتهينا أخبرته أن يجب علي الذهاب إلى الجامعة في الحال وسأجلس معه بعد عودتي .
لا أدري كيف خرجتُ من البيت , ولا أدري كيف وصلتُ إلى جامعتي , كل ما كنتُ أفكر به هو مازن تحديداً ذكريات الطفولة التي عُرضت من دون استدعاءٍ أمامي .
الساعة 8:50 عشر دقائق تفصلني عن بدء الإمتحان أجبرتُ عقلي على توقيف تلك الذكريات لكي أراجع على المقرر بسرعة , حتى دخلنا الامتحان .
بدأ الامتحان ,,, ساد الصمت أرجاء القاعة , لا أنكر تلك الإبتسامة التي لم تختفي من على شفتي , التي تبدو لمن يراها أنها بسبب الامتحان لكنها كانت بسبب أخي .
سلمتُ ورقتي قبل انتهاء الوقت بخمس دقائق , قررتُ و أنا انتظر صديقاتي أن أراجع على التجارب قبل الدخول إلى المعمل .
بعد أن انتهى الامتحان ,,,, توجهتُ مع زهراء إلى الكفتيريا ننتظر دور معملنا بعد أن توجهت اسراء و أماني للمعمل .
بعد أن جلسنا وطلبت كل منا عصيرها المفضل سألتني زهراء عن سر تلك الابتسامة المرسومة على وجهي منذ الصباح .
أخبرتها عن مازن وعن استقراره هنا , فرحت زهراء لفرحتي كثيراً فأنا وزهراء من يرانا يظننا توأماً وليس أصدقاء .
رأينا إسراء متوجهة نحونا , سألنها عن أماني فقالت أنها مازالت في المعمل وأخبرتنا بأن الامتحان سهل ولا داعي للخوف .
راجعنا بسرعةٍ على التجارب , وقررنا التوجه إلى المعمل بعدما رأينا أماني التي أكدت لنا كلام إسراء .
بعد أن انهينا الامتحان , توجهت كلٌ منا إلى منزلها وكانت هيا المرة الأولى التي أشعر بأن الطريق طويل هكذا .
دخلتُ إلى الفيلا , وأنا أشعر بالسعادة بسبب مازن لحسن الحظ أن العشاء كان قد وُضِع على المائدة , وكان الجميع جالسين أسرعتُ بغسل يدي وجلستُ بجانب مازن , كعادة أي وجبةٍ يكون مازن جالساً فيها لا تخلو من الضحكات الصادرة من أعماق قلوبنا .
بما أننا في نهاية الأسبوع فقررنا السهر جميعاً ,توجهنا لنلعب على البليستيشن فجلستُ أنا و حازم على الأرض وجلس الباقي على الكراسي يشجعون بحماسٍ شديد .
مرّ الوقتُ ولم نشعر به .......
تغاريد العصافير بدأت بالانتشار لتزيل ظلام الليل , بدأتُ أتململ في فراشي بعدما انتشرت أشعة الشمس في أرجاء الغرفة لتستكين على سريري .
فتحتُ عينيا فرأيتُ الصورة مشوشة , أغلقتها ثم أعدت فتحها لأنظر إلى الساعة أمامي فوجدتها تشير إلى التاسعة .  نهضتُ من فراشي و توجتُ ناحية دولابي فأخذتُ ملابسي واتجهت إلى الحمام لأدخل تحت المياه الباردة .
إنه أول يومٍ لي في عطلتي بعد شهرٍ من الكفاح مع الأوراق والكتب .
خرجتُ من غرفتي , لأجد أمامي نور فأخبرتني أن الجميع توجهوا للحديقة لتناول الإفطار فتوجهتُ إلى هناك على الفور .
بالطبع سنواتٌ افتقدنا جميعاً جو المزاح والضحك ونحن نتناول الإفطار , بالطبع قررنا الخروج في جولة بما أنّ السفر إلى احد المدن التي تشتهر  بقضاء المصيف فيها احتفالاً بعودة مازن .
في تمام الخامسة ....
كان الجميع في السيارة , قررنا الذهاب الى شاطئ الاسبوع وقضاء عدة أيام هناك . مرت الأيام جميلة وسريعة ممزوجة بضحك ولعب والعودة مجدداً للطفولة التي انتهت .
مررت الأيام بروتينيها المعتاد إلى أن أتى ذلك اليوم الذي أتممتُ فيه شهراً منذ أن بدأت عطلتي , كنت أجلس في غرفتي أمام حاسوبي محاولةً التحكم في أعصابي نسيتُ أن أقول أن اليوم هو موعد ظهور النتيجة , فتحتُ موقع الكلية بتوترٍ شديد وأيام الإختبارات تمر بذاكرتي .
نزلتُ بالصفحة سريعاً لأرى النتيجة النهائية , ثم أصعد فأعرف التفاصيل لم أصدق عندما رأيت التقدير فلقد حصلتُ على     جيد جدا تأكدتُ من الاسم عله تشابه أسماء فوجدته اسمي , قفزتُ من على سريري وسجدتُ شكراً لله .
خرجتُ من غرفتي , وتوجهت إلى الصالة فلقد كانوا مجتمعين أمام التلفاز , أخبرتهم بالنتيجة وفرح الجميع بذلك الخبر . انتهى يومي بعد أن اكتملت سعادتي باتصالي صديقة الطفولة ريم التي أخبرتني أنها استقرت هنا بعد سفرها مع أسرتها بعد أن أتممنا الثانوية , واتفقنا على أن نلتقي في الغد .
صباحٌ جديد .........                               
انتشرت أشعة الشمس في غرفتي , استيقظت بعد أن امتدت أشعة الشمس على سريري , نظرتُ في الساعة وأنا افتح عين واحدة كانت الثامنة والنصف , أغلقتُ عينيا ثم فتحتهما بسرعة بعد أن تذكرتُ موعد ريم الذي كان في التاسعة , نهضتُ من على سريري بسرعة أخذت ملابسي وتوجهتُ إلى الحمام . حمدتُ ربي أننا اتفقنا أن نتقابل في ذلك المتنزه القريب من منزلنا .
في تمام التاسعة ....
كنتُ أقف أمام المنزل بعد أن سلمتُ على والدتي التي كانت تنتظر الجميع يستيقظ كي يتناولوا الفطور سوياً و أخبرتها أنني سأفطر مع ريم  واتجهت إلى ذلك المنتزه , ولحسن حظي قابلتها كانت تنزلُ من السيارة , ركبتُ معها وتوجهنا إلى مكان نفطر فيه سوياً .
والدتي .....
بعد أن ودعتني رحمة وخرجت , اتجهتُ إلى لإيقاظ الجميع حتى نبدأ بتجهيز حفلةٍ بمناسبة نجاح رحمة .

كانت الساعة تشير إلى العاشرة .....
كان الجميع منشغلاً بالتجهيزات , مازن وزوجي يشرفان على تجهيزات الحديقة , وأنا و نور كنا نحضر الطعام والحلوى .
أتى إليّ مازن وأخبرني إن كنت أحتاج إلى أشياء لأنه سيذهب لشراء بعض المستلزمات الناقصة فأخبرته على بعض ما ينقصني في المطبخ .
مازن .....
ركبتُ إلى سيارتي بعض أن خرجتُ من المنزل , قررتُ التوجه إلى محلٍ متخصصٍ في أمور الزينة , ثم أذهب لشراء ما أخبرتني به والدتي .
وفجأة ودون أن أشعر بشيء وجدتُ نفسي أصطدم بتلك السيارة ثم غبتُ عن الوعي .
والدتي ......
انشغلتُ بالتجهيزات إلى أن تفاجأت بأن الساعة الواحدة , تذكرتُ مازن الذي خرج منذ ساعتين تقريباً ولم يعد إلى الآن , لابد أن الطريق مزدحم هكذا أقنعتُ نفسي .
مرت ساعةٌ أخرى ....
كانت منشغلةً بالتجهيزات , رنّ الهاتف في تلك اللحظة كان رقم مازن فتحتُ الخط سريعاً لكن ازداد قلقي عندما سمعتُ صوتاً غير مازن , انتابتني الشكوك وبدأ الخوف يتسللني فأجبتُ بصوتٍ مرتجف : مازن .
لكن صدمتُ عندما جاوب الطرف الآخر بأن مازن تم إدخاله غرفة العمليات ,أجابت سريعاً في أي مستشفى قال لي اسم المستشفى و أغلقتُ الخط لم أستوعب ماحدث , بل شعرتُ بأن حركتي قد شلتُ .
ركضتُ خارجاً وجدتُ نور وزوجي انسابت دموعي ولم أستطع أن أتكلم لكني قلتُ بصوتٍ متقطع مازن في العمليات في المستشفى وأخبرتهم باسم المستشفى .
ركبنا السيارة سريعاً , لا أدري كم استغرقنا حتى وصلنا , دخلنا المستشفى ركضاً حتى وصلنا أمام غرفة العمليات .
وقفنا أمامها , لا أشعرُ بأي شيء من حولي غير دموعي التي تنساب على خدودي ونور التي كانت تحاول تهدئتي .
أحسستُ و كأن الوقت يمر كسلحفاةٍ تسير , مازن في غرفة العمليات , ولم يخرج أحدٌ ليطمئنا . تذكرتُ فجأة رحمة نظرتُ إلى نور الجالسة أمامي وقلتُ لها: رحمة ...... أين رحمة ؟ جاوبتني نور بصوتٍ مبحوح قالت لي مع ريم نسيتي , قلتُ لها اتصلي بها وأخبربيها بأن تأتي إلى هنا .
مسحت دموعها نور , وأخذت نفساً عميقاً وأخرجت هاتفها من جيبها واتصلت برحمة .



رحمة .....
بعد أن تناولتُ الفطور مع ريم , عدنا إلى نفس المتنزه الذي قابلتها به صباحاً استرجعنا ذكرياتنا , أيام طفولتنا , أيام الدراسة والمدرسة , والكثير من الأيام التي لا تنسى .
كان الوقت قبيل العصر ....
ودعتُ ريم بعد أن اتصلت بها والدتها و أخبرتها سرعة المجيء , عدتُ إلى الفيلا ودخلت إلى الداخل كان الهدوء مسيطراً على المكان . لا أنكر استغرابي من الزينة الموجودة في الحديقة ولا ذلك الهدوء الذي لم أعتاده , لكني تذكرت ليلة الأمس عندما اتفق الجميع على الخروج بعد الظهر , صعدتُ إلى غرفتي كي أرتاح قليلاً قبل مجيئهم . لكني تفاجأت بشاشة هاتفي التي تضيء باسم نور , فتحتُ الخط . سألتني : أين أنتِ ؟ انتابني القلق قليلاً من صوتها المبحوح فأجبتها : في المنزل وسألتها: مابك ؟ أخبرتني إن كان باستطاعتي التوجه إلى المستشفى وأخبرتني باسمها ؟
تملكني القلق وقلتُ لها ماذا هناك ؟ دخلت في نوبة بكاء لم أستطع أفهم منها غير بعض الكلمات ىالمتقاطعة بأن مازن في العمليات  أغلقتُ الخط , لا أدري كيف وصلتُ لهم لم يكن بي عقلٌ كي أفكر .
كنتُ أقف أمام غرفة العمليات , وجدتُ والدي الذي كان قد خرج من الصلاة للتو , ووالدتي التي ارتمت بحضني عندما رأتني ولم تكف دموعها عن التوقف . ما كان يدور في عقلي إذاً حقيقة مازن في العمليات .
جلستُ إلى جانبهم ولساني لم يتوقف عن قول يارب .
خرج الطبيب ركضنا نحوه , رأى في أعيننا السؤال لذلك قال نحتاج متبرعاً بالدم لإن فصيلة الدم التي يحملها مازن نادرة . أجبتُ سريعاً أنا أحمل نفس فصيلة الدم . بعد أن تبرعتُ بالدم ... جلسنا منتظرين أمام الغرفة .
كانت الساعة السادسة مساءً ... أخيراً خرج الطبيب أخبرنا بأنه انتهت العملية ولكن يجب وضعه في غرفة العناية المركزة حتى تستقر الحالة .
بعد مضي ربع ساعة تم نقله إلى هناك , جلسنا خارج غرفة العناية المركزة , كنتُ أنظر له من الزجاج الخارجي إلى جسده القابع تحت الأجهزة ,و آثار الكدمات على وجهه و أجزاءٍ من جسده غطاها الجبس , نزلت دمعةً من عيني بدون إرادتي , مسحتُها سريعاً وعقلي لا يتوقفُ عن إرسال الذكريات التي كانت تجمعني مع مازن منذ الطفولة , صحيحٌ أن مازن أخي من الرضاعة لكنه كان أخاً حقيقياً لي كم من مرةٍ رأني فيها نصحني , ودافع عني , ولم يتركني لحظةً واحدةً . حتى في فترةِ سفره دائماً ماكان يتصل بي وينصحني . ذكرياتٌ كثيرةٍ جمعتنا آخرها ذلك اليوم الذي ظهرت فيه نتيجتي .
جلستُ إلى جانبِ أسرتي التي بدأت علامات التعب بالظهور عليها , اقترح والدي أن يذهب بعضنا ليرتاح ونتناوب ليأخذ كل منا قسطاً من الراحة . ذهب هو و نور إلى المنزل و بقيتُ مع والدتي .
كم أكره الانتظار , الصمتُ خيم على المكان إلا من صوت الأجهزة التي تعمل في غرفة العناية . وقفتُ عند الزجاج أنظر منه , و دموعي أبت التوقف عن الهطول كما أبى عقلي التوقف عن إرسال الذكريات .
نظرتُ إلى والدتي , خفتُ عليها فهي منذ ساعاتٍ صامتة أبت التحدث مع أي شخص . نظرها مثبتٌ على الغرفة , وعلامات الإرهاق رُسمت على وجهها .
بدأتْ الشمس ترسل أشعتها , نظرت إلى الساعة فلقد كانت الخامسة و النصف ... وضع مازن كما هو لا يوجد أي تغيير .
مرت قرابة الساعتين ...                                           
كنتُ أقف عند الزجاج كعادتي , أحسستُ بيدٍ وُضعت على كتفي , كان أبي قد وصل للتو هو و نور ويحملان أكياساً في أيديهم . أكلتُ مجبرةً بعد حلف أبي بألا يتذوق الطعام حتى نتذوقه جميعاً .
 استندتُ على الجدار , لم أصدق أذني عندما سمعت نور تقول بفرحة تحركت يده , قفزتُ من مكاني لتأكد مماسمعتْ فوجدتهُ حقيقة , ارتحتُ و ابتسمتْ وحمدتُ الله .
نادت الممرضة الطبيب المسؤول , وعمل بعض الفحوصات التي تأكد منها أن الأمور طبيعية , همّ الطبيب بالخروج لكن مازن استوقفه ثم خرج الطبيبب من الغرفة الذي أخبرنا عن وضع مازن ثم أخبرني بأن مازن يريد رؤيتي . دخلتُ مع الطبيب بعد أن ارتديت لباساً خاص بالعناية المركزة .
ابتسم مازن لي بتعبٍ وضعف فرددتُ له الابتسامة , تكلم بصعوبةٍ وقال : رحمة أحبك لقد كنتُ ذاهباً لأعد لك مفاجأة .
نزلت دموعي دون إرادتي , أتت الممرضة لتخبرني بأنّ عليّ الخروج كي يتم نقله لغرفةٍ خاصة بمازن, نهضتُ من مكاني ,و أدرتُ ظهري له سمعتُ صوت همسٍ بالشهادتين , صُعقت , لم أستطع التحرك أو النظر . أحسستُ بانقطاع الأنفاس من الغرفة التفتُ ببطئ لأجد الطبيب يغمض عيني مازن , لم يستطع عقلي استيعاب ماحدث . كل الذي تردد في عقلي وقتها أيعقل أنها النهاية ؟؟؟ نعم هي النهاية بعدما قال لي الطبيب البقاء لله .
خرجتُ من الغرفة , والديّ , نور كنت أنظرُ لهم بتوهان وضياع , لم أشعر بشيءٍ من حولي غير دموعي التي أبت التوقف , ونظراتِ والدتي التي رفضت التصديق .
أحسستُ وكأني فقدتُ النطق , خرج الطبيب وأخبرهم , ارتميت بحضن نور ودموعي مازالت تهطل كالمطر ونور التي كانت تحاول أن تهدئني .
عُدنا إلى المنزل , دون مازن , دون قدوتي , كنتُ أتجول في المنزل و كأن هذه المرة الأولى التي أدخله فيها . ذكرياتي المرسومة مع مازن في كل ركن من أركانه . لم يتوقف لساني عن الدعاء له هكذا أقنعتُ أو حاولتُ إقناع نفسي بأن هذا مايحتاجه الآن .
خرزةٌ وراء الأخرى تسقط لتقلب صفحةً جديدةً في دفتر الحياة .
هاهو اليوم آخر أيام العطلة ستبدأ الدراسة في الغد , انضمت نور لفئة مجتمع الجامعات فلقد التحقت بكلية طب الأسنان .
أما أنا فأصبحتُ في السنة الثالثة من الجامعة , أضيفت لنا التربية العملية , نزلتُ أنا ونور لنشتري ماينقصنا من أغراض .
الساعة الخامسة فجراً ....
استيقظتُ من نومي , لا أدري لما توجهتُ ناحية النافذة وفتحتها , أحب النظر كثيراً من نافذتي على تلك المساحات الخضراء المزروعة نباتاتٍ مختلفة .
في تمام السادسة والنصف , كنتُ قد ارتديتُ ملابسي وجهزتُ حقيبتي , خرجتُ من غرفتي كان المنزل هادئاً , نزلتُ إلى الأسفل وجدتُ نور و أمي يعدّان الإفطار  , ثم جلسنا سوياً بانتظار نزول أبي .
مرّ شهرٌ على وفاة مازن , أرى في أعين أمي اشتياقها لمازن , كذلك لا أُنكر اشتياقي له , لكن هذه هي سنة الحياة , في هذا الشهر أهدينه أجر ختمة قرآن , تغيرنا كثيراً في هذا الشهر فلم ندع تلك المحنة تؤثر علينا .
بعد مرور عامين .......
استيقظتُ باكراً على غير عادتي , وقفتُ في مكاني المفضل , عند نافذتي , أشعرُ بسعادةٍ كبيرة . فاليوم يوم استلام وظيفتي , حمداً لك يارب فلقد أتممتُ دراستي الجامعية و تخرجتُ بتقدير جيد جداً مرتفع , أجريتُ مقابلةً الأسبوع الماضي بإحدى المدارس القريبة من منزلنا و آتاني ردهم بالأمس بالمواقفة , وسأستلم عملي كمدرسة .
أما نور فهي تستعد لبدء العام الثالث لها في طب الأسنان , أنهت عامها الإثنين بامتياز .
أما والدي فتوسع عمله و استطع افتتح محلٍ لملابس الجاهزة , وأصبح يقسم وقته بين الشركة والمحل .
والدتي تمضي وقتها حتى الظهيرة في الجامعة , و بعد العصر تذهب لدار التحفيظ ودار الأيتام اللذان أنشئناهما باسم مازن .
بعد مرور عام .....
كنتُ أجلس في غرفتي , فتحتُ بريدي الإلكتروني , صُدمت عندما رأيتُ رسالةً من جامعتي فتحتها بسرعة , فرحتُ كثيراً عندما علمت بأنه تم تعييني كمعيدة – مدرسة مساعدة بقسم الكيمياء – فرحت جداً وسجدتُ شكراً لله , نزلتُ إلى الأسفل لأفرحهم .
ذهبتُ لاستلام عملي في اليوم التالي , وكانت كلمات الوكيل مشجعةً لي لأبدأ في الدراسات العليا , وانتهي منها سريعاً .
بالفعل تركت المدرسة , واستلمتُ عملي وبدأتُ أذاكر بجدٍ واجتهاد , واستغل كل أوقات فراغي .
بعد مرور عامين .....
كان اليوم هو يوم تخرج نور من الجامعة , حضرنا معها لإسعادها .
مر أسبوع .....
اليوم مناقشة رسالة الماجستير التي أعددتها , كنتُ في قمة سعادتي وخصوصاً عندما حضرت نور ووالدي .
كنتُ أقلبُ في التلفاز , رنّ علي رقمٌ غريب , فتحتُ الخط , كان هذا دار النشر الذي تكفل بطباعة و نشر أول كتابٍ لي اسمه " خيوط السعادة " وكانت سعادتي لا توصف عندما أخبروني بأن الكتاب مطلوبً بكثرةٍ في الأسواق , وازدادت سعادتي عندما علمتُ منهم أن هناك ترغب بالتسجيل معي من أجل الكتاب فوافقت , وذهبت في موعدي .
والدتي ....
جلسنا أمام التلفاز أنا ونور , وتفاجأتُ بزوجي عندما دخل إلينا ليشاهد رحمة في التلفاز .
كانت تتحدث بكل ثقة , و أنا الأحياء كما يبحثون عن السعادة , فالأموات يبحثون عنها أيضاً و تتحقق سعادتهم عندما يدعون لهم من يحبون ويقومن بأعمال خيرية بالنيابة عنهم فتلك هي خيوط السعادة التي يحتاجونها .
نزلت دموعي فرحاً برحمة وبنجاحها الذي حققته وفقداناً لمازن .

-         النهـــــــــايــــة -





شارك:

Sara

خصصنا وقــتــنـا وجــهـودنـا مـن أجــل خـدمــتــكـم وتـعـزيــز روح الـتـعـاون فـيــمـا بـيـنـكـم ؛وبــكـم ســنـكـون فــي الــمــقــدمــة بــإذن الله

0 تعليق على موضوع " خيوط السعادة ........... "

شروط التعليق :
■ يجب على التعليق أن يكون بلا روابط إشهارية
■ لاستعمال خط عريض ضع الكود : النص هنا...
■ لاستعمال خط مائل ضع الكود : النص هنا...
■ لإضافة صورة ضعها بهذا الكود : ... رابط الصورة هنا ...

الإبتسامات إخفاء