بَيْن الحَقيقة و الخَيال

كما اعتدتُ أن أجلِس على سرِيري ، هذه المرة أقرأُ قصةً اشترَيتُها بداية عُطلة منتصف الفصل وللأسف اليوم هو اليوم الأخير لي في العطلة  .
وفجأةً..... إذْ بي أسمعُ رنينَ جوّالي مسكتُه بلا مبالةٍ ظناً منّي أنَّها إحدَى صدِيقاتي ، لكنّني صُدمتْ عندِما رأيت اسْمَ المتصل ، أعدْتُ النظرَ مجدّداً ولم أُصدِّق ما رأيتْ . كيفَ يمكنُ أنْ يكون ذلكَ وهي في قبرهِا ومر على ذلك قرابة خمسة أعوام  ؟
دموعٌ و خوف ، رهبةٌ و فضولٍ وحب استكشاف للحقيقة ، و بحركةٍ لا إرادية استجمعتُ شجعتي وفتحتُ الخط ووضعتُ السّماعة على أذني ، نعم إنّه صوتها ، نبضاتُ قلبي كادَت أن تكسرٙ قفصي الصدر ، سمعتُها وهي تقول لي ألو ... ألو ..... ماذا أصابك ولاء ؟ هل يعقل أنكِ نسيتي أن اليوم موعد عودتي من الرحلة ؟
أُغلق الخط ...... دُمُوعي تٙسيلُ على خدُودي ، دٙخلتْ عٙليّٙا أُختي رحمة لتجدُني أمسكُ بينٙ يديّٙ هاتفِي و دُموعي تسيل سألتني ما بك ؟ نظرتُ لها مِن بينٙ دُموعي ثم لم أشعرْ بمن حولي .
استٙفقتُ من نٙومي و أنا أشهقُ ، أشعر و كأنّٙ روحي ستخرجُ .
دقائقُ استغرقْتُها حتى تأكدَ لي أنَّ ما رأيتُ لم يكنْ إلَّا حلماً مزعجاً ، لكنْ هذه ثالثُ ليلةٍ لي أرى الحلمَ ذاتُه ، و كل شيءٍ رأيتهُ في الحلم كان واقعاً فلقد كان ذلكَ آخرَ يومٍ كلَّمتْني فيه أسيل قبلَ أنْ أسمعَ خبرَ حادثة الحافلَةِ التي كانتْ تركبُها والتي نُقلت بعدها إلى المستشفى ثمَّ تُوفيت هناكَ .
بدَاخلي فضولٌ يقولُ لي بأنَّ هناكَ رابطاً بينَ ذلك الحُلمِ وحقيقة موتها التي مازلتُ أشُك فيها .
أتثأبُ بصوتٍ عالٍ ، أنظرُ إلى جوالِي لأجدَ السَّاعة تقتربُ من الثالثةِ بعد منتصفِ الَّليل ، شددتُ غطائي وأكملْتُ نومي .
الساعةُ الثامنةُ صباحاً .... يرنُّ المنّبه ليعلن اقترابِ موعدِ محاضراتي ، أنهضُ من فراشي وعقلي مشغولٌ بذلكَ الحلُم .. ويطرحُ سؤالاً واحداً أيعقلُ أنَّ أسيل لم تمتْ في تلك الحادثةِ كما قيلَ لي ؟ و إن كان الأمرٌ كذلك فأينَ هي ؟
حاولتُ وقف تفكيري في هذا الأمرِ مؤقتاً ، بدلتُ ملابسي سريعاً ونزلتْ.
الحمدلله باقي نصف ساعةٍ على بدء المحاضرة ، لكن الطريقُ مزدحمٌ جداً يبدو أن هناك حادثٌ أدّى إلى تعطل الطريق .
بعد مرور عشرون دقيقةً ..... الحمدلله وصلتُ قبل بدأ المحاضرة .
دخلت إلى القاعة وبداخلي شعور غريب , وكأنني أسمع صوت أسيل من حولي تقول لي فلنبدأ بجد من البداية حاولت ألا أتأثر بهذا الصوت لإن التركيز مطلوب في المحاضرة .
بعد مرور ثلاث ساعات ....... انتهت المحاضرة , عدت إلى منزلي سريعا دون أن أجلس مع صديقاتي على غير عادتي , لا أدري كيف وصلت إلى المنزل فلقد كان عقلي مشغولا بما يحدث وبما أشعر به ولم أبح به إلى أي أحد فمن سيسمعني سيعتقد أنني أصبت بالجنون .
دخلت المنزل ثم إلى غرفتي وارتميت على سريري فليلة الأمس لم أنم وقتا كافيا وما شعرت به اليوم والمحاضرة الطويلة بغض النظر أنه أول يوم لي بعد الإجازة كل ذلك كان كفيلا بأن يشعرني بالإرهاق , نهضت من على سريري وتوجهت نحو خزينة الملابس وأخرجت ألبوم الصور وفتحته كان مليئا بصوري مع أسيل من الطفولة حتى أول سنة في الجامعة وتوقفت عند تلك الصورة التي التقطتها لها قبل الرحلة بيوم وبدأت أوجه حديثي للصورة هل مت حقا ؟ أم أنك مازلت على قيد الحياة ؟
بدلت ملابسي وقررت أنني سأحاول أنسى أمرها على الأقل حتى نهاية الفصل فلم يبقى لي سوى شهر واحد وابدأ الاختبارات .
حاولت إقناع نفسي بذلك , وفعلا حاولت أن أتناسى الأمر وبدأت انشغل بالمذاكرة والبحوث التي تطلب والحديث والخروج مع صديقاتي في وقت الفراغ لكي لا يبقى لي وقتا أفكر في ذلك الأمر .
هاهي صفحات الأيام تطوى في دفتر الحياة ويوشك الشهر المتبقي على الانتهاء .
آخر يوم لي أنا وصديقاتي , آخر محاضرة لنا , خرجت مع صديقاتي من قاعة المحاضرات كان جسدي معهم لكن لا أدري لما عقلي عاد لأول يوم في الجامعة عندما رأيت أسيل صدفة وفرحت أنها أصبحت معي أيضا في نفس القسم .
أتذكر ذلك اليوم كما لو كان الأمس , فرحتنا عندما انتهت أول محاضرة . تذكرت أيضا عندما خرجنا واحتفلنا نحن الاثنين بأننا أكملنا معا بعد المرحلة الثانوية , هنا بدأت بصمت تنزل دموعي فمسحتها بكفي كي لا تشعر صديقاتي بشيء .
عدت إلى المنزل وأول ما فعلت توجهت إلى سريري ونمت , لم أدر كم الساعة ؟ وكم ساعة قضيتها في النوم ؟ فقط توجهت إلى النوم كي أنسى كل شيء , وأحاول أن استعد للفترة القادمة فما تطلبه تلك الفترة التركيز وعدم انشغال الذهن بأي شيء آخر فهي السنة الأخيرة لي .
أول يوم في الاختبارات .........
خوف ورهبة , خرجت من المنزل وأنا أمسك كتابي بين يدي كتابي ودفتري , أجلس في الحافلة وأنا أتصفح الدفتر للبحث عن كل الملاحظات التي كنت أسجلها في وقت المحاضرة .
كالعادة شعوري في أول يوم لم يتغير وكأنها أول اختبارات لي .
وصلت للكلية قبل الاختبار بنصف ساعة , اخترت ركنا غالبا لا تجلس الطالبات فيه , ولم أحاول أن أتكلم مع أحد من صديقاتي .
انتهى الاختبار وعدت إلى المنزل .
مر يوم وراء يوم ....... وهاهو اليوم آخر يوم من أيام الاختبارات .
خرجت من القاعة بشعور مختلط بين فرح ,حزن , سعادة , راحة واشتياق لصديقاتي .
قررنا بأن نقضي اليوم خارجا معا كنوع من المكافآة بأن الاختبارات انتهت .وبالفعل قضينا اليوم سويا , عدت بعدها إلى منزلي في الثالثة عصرا قررت أن انام بعد الجهد والتعب الذي بذلته في الفترة السابقة .
نمت بعمق إلى أن استيقظت على صوت رنين جوالي الذي رن بإصرار دون انقطاع فتحت الخط ووضعت السماعة على أذني دون انظر إلى شاشة الجوال وكانت الصدمة , الصوت ذاته نعم أعني صوت أسيل وهي تقول لي ولاء ... لقد أنهينا الجامعة ولله الحمد كنت أتمنى أن أكون معك في مثل هذا اليوم , لكن سأعوضها قريبا سأكون معك .انقطع الخط ... هنا بدأت استوعب ما قالت , هل هذه هي حقا أم أنه ذلك الحلم الذي آراه ؟
جلست في سريري أتصفح جوالي بعد أن شعرت بأنه حلم وليس حقيقة .
أول يوم في الإجازة استيقظت باكرا , يبدو أنني اعتدت على ذلك , تناولت فطوري وبعدها إذ أسمع طرقا على الباب , استغربت وذهبت لأفتح صدمت ولم أصدق عيني .سالت دموعي عندما رأيتها أمامي , نعم هي أسيل هذا أول ما قلته بعد أن استطعت التحكم في دموعي , إذا احساسي كان صائبا عندما شعرت بأنك مازلت حية ؟

دخلنا إلى غرفتي وبدأت تقص لي ما حدث منذ أن هاتفتني قبل أن تركب الحافلة , ثم الحادثة التي تسببت في فقدانها لذاكرتها وأيضا الأسرة التي تكفلت بعلاجها وسافرت معهم إلى الخارج ثم اكمالها لدراستها هناك ومن ثم عودتها إلى هنا مرة أخرى .
شارك:

Sara

خصصنا وقــتــنـا وجــهـودنـا مـن أجــل خـدمــتــكـم وتـعـزيــز روح الـتـعـاون فـيــمـا بـيـنـكـم ؛وبــكـم ســنـكـون فــي الــمــقــدمــة بــإذن الله

0 تعليق على موضوع " بين الحقيقة والخيال "

شروط التعليق :
■ يجب على التعليق أن يكون بلا روابط إشهارية
■ لاستعمال خط عريض ضع الكود : النص هنا...
■ لاستعمال خط مائل ضع الكود : النص هنا...
■ لإضافة صورة ضعها بهذا الكود : ... رابط الصورة هنا ...

الإبتسامات إخفاء